shade
المساهمات : 137 تاريخ التسجيل : 11/12/2007
| موضوع: الحضاره العربيه و تفاعلها مع الحضاره الإيرانيه الأربعاء ديسمبر 12, 2007 8:26 pm | |
| الثقافه العربيه حضاره، لأن القوم الذين نطلق عليهم اسم العرب، مهما اختلفت أصولهم العرقيه، قد ساهموا في تاريخ ثقافي حضاري مشترك. فالتحانس الحضاري و الوحده الحضاريه للمنطقه جعل لها طابعاً عاماً تتكامل بداخلها مئات العناصر التي تدور في فلكها. و العروبه لغه، و اللغه ذاتها تشكّل نوعيه الروح القوميه، و هي أكثر وسائل التعبير اتصالاً بالثقافه و الحضاره.
العروبه حضاره، و الحضاره العربيه عرفت في حقول الحكم و في ميادين العلم و الأدب و الفن، و هي حضاره قيم عليا تحلّت بالإيمان و التسامح و التواضع و السعي و راء الحقيقه و نشدان العدل و حاسبه النفس و الإصغاء إلى صوت الضمير.
و الحضاره العربيه هي خلاصه ما بلغت من مكاسب على مدي عهود، فلقد أثبتت الحفريات و النقوش و الكتابات، و هي وثائق مهمه، و في طليعه المصادر، بالإضافه إلى ما ورد في سياق الأحداث التاريخيه أن العرب تمكّنوا قبل ظهور الإسلام أن يبنوا تراثاً حضارياً ما زال الجزء الأكبر منه مطموراً تحت الرمال. و قد عرف عنهم تقدمهم في عدد من العلوم كعلم الفلك و علم الطب و علم الفراسه. أمّا طليعه منجزاتهم فكانت في الحقل العمراني، و يتضح ذلك في آثار مدنهم و بقايا قصورهم، و أوضح مثال مدينه البتراء في الأردن عاصمه النبطيين يومذاك، فقد قدت من الصخر الصلد و ازدانت بالقصور و الهياكل، و مدينه تدمر في وسط باديه الشام، التي تدل آثارها على أنها كانت غايه في الرونق و العظمه، امّا سدّ مأرب أقدم سدّ من نوعه في التاريخ، فقد تمّ بناؤه في وقت لم يكن الإسمنت و الحديد قد عرفا بعد.
هذه لمحه خاطفه عن بعض منجزات العرب قبل الإسلام، أمّا الإنقلاب التاريخي العظيم في حياه العرب، و الانطلاقه الكبرى لحضاره إنسانيه عالميه شامله، فقد حدثت عند بزوغ الإسلام الذي أمدّها بثوره اجتماعيه و علميه تجاوزت نطاق الجزيره العربيه لتنطلق منه إلى آفاق العالم كافه، و امتد أثرها البالغ عبر الزمان و المكان.
فما هي أهم عناوين ما أعطته هذه الحضاره في ميادينها المتشعبه و العديده؟
في الميدان الإجتماعي و الإنساني:
لقد حمل الإسلام للمجتمع العربي بذور انقلاب اجتماعي شامل، فالمساواه و الإخاء اللذان فرضهما الإسلام، بقطع النظر عن اللون و الجنس و العنصر، يعتبران ثوره اجتماعيه كامله، كما اعتبر الإسلام أن الأسره هي نواه المجتمع، و احاطها بالرعايه و العنايه، فقد حدد واجبات كل فرد من أفراد الأسره، و أوضح له حقوقه و واجباته.
في الحقل الاقتصادي:
حوّل العرب المدن إلى أسواق تزخر بالنشاط و الحركه، و بنوا السدود، و أقاموا الجسور و القناطر، و استخدموا قنوات جديده حملت مياه الفرات إلى أرض الجزيره، و مياه دجله إلى أرض فارس، و قد وضع العباسيون تشريعات للري دقيقه أخذها عنهم الأوروبيون فيما بعد، و أنشأوا الدواوين التي سمّيت بدواوين الماء، و درسوا أنواع التربه و اختيار أفضل المزروعات لكل منها، و استخدموا الأسمده العضويه و عرفوا التلقيح و التعقيم، و أزدهرت المناطق الزراعيه التي أدخلوا إليها زراعات جديده نذكر منها: إقليم ماوراءالنهر بين بخارى و سمرقند، جنوبي فارس، جنوب العراق، غوطه دمشق.
و كانت لهم تجاره واسعه متراميه الأطراف، تمتد من بحر الخزر و الفولغا إلى الشمال شامله كل الشواطىء و حتى جزر البلطيق، مؤسسين لهذه التجاره مراكز و أسواقاً تجاريه مهمه في الهند و جنوب شرق آسيا حتى الفليبين و الصين، و قد جابوا سواحل أفريقيا؛ و في الشمال حتى بلاد الروس، و كان من جراء ذلك، أن تحوّلت العديد من المدن إلى حاضرات اقتصاديه، هذا النشاط التجاري الذي حملهم إلى إنشاء الاتحادات التجاريه و استعمال الحوالات الماليه و الشيكات و الإيصالات و سواها، و التي اخذها العالم عنهم.
و في الصناعه قامت صناعات مختلفه باختلاف المواد الأوليه المتوفره من مواد خام أو مواد زراعيه.
و اشتهرت المنسوجات الشاميه و المصريه و الفارسيه بجمالها الفني الرائع، و ذاع صيت الموصل بنسيحها القطني المسمّى (موصلين) كما امتازت دمشق بنسيج التيل (الدمقسي). و ازدهرت صناعه الزجاج و صناعه السجاد و غيرها من الصناعات كصناعه الساعات الآليه، و قد انتظم الصنّاع العرب في طبقات مهنيه تحلّ محل النقابات المهنيه اليوم.
في الحقل الثقافي العام:
حلّق العرب في جميع مجالات الفكر و المعرفه و العلوم بما اكتسبوه من الشعوب التي اتصلوا بها، و قد ركّزوا بصوره خاصه في هذا الحقل على توجه الإسلام نحو العلم و الأخذ به حينما وجد، و تأمين المعرفه لطالبيها عن طريق المدارس التي انتشرت بشكل كبير، و على جميع المستويات، كما عمرت معظم المدن بمكتبات عامه.
لنقف مثلاً عند العام الألف للميلاد: ففي هذا العام نشر ابن النديم فهرساً للعلوم في عشره مجلدات تضم أسماء جميع الكتب التي صدرت باللغه العربيه. و في الأندلس جمع الخليفه الحكم الثاني نصف مليون من الكتب القيمه. و في القاهره رتّب مئات العمال و الفنيين في مكتبتي الخليفه مليونين و مئتين من المجلدات.
و في هذا العام ذاته، نشر أبوالقاسم مبادىء الجراحه، و شرح البيروني دوران الأرض حول الشمس، و اكتشف الحسن بن الهيثم قوانين الرؤيه، و أجرى التجارب بالمرايا و العدسات المستديره و الأسطوانيه.
و بينما كان العالم العربي يسرع في هذا العام نحو قمه عصره الذهبي، وقف الغرب مذهولاً يترقب نهايه العالم عمّا قريب.
إن هذا ما دعا علماء الغرب إلى اعتبار هذه القفزه السريعه المدهشه في الحضاره التي قفزها أبناء الصحراء ظاهره جديره بالاعتبار في تاريخ الفكر الإنساني، فلقد تبوأوا مركزاً مهماً بلا منازع مده ثمانيه قرون.
و على رغم انقسام الإمبراطوريه العربيه فيما بعد إلى دويلات، تمكّنت الحضاره العربيه ذات المحتوى الخاص من أن تفرض سلطتها على الشعوب المتباينه.
كما تجدر الإشاره إلى أنه لو لم يبعث العرب في الحضارات القديمه، كحضارات البحر المتوسط و سواها روحاً جديده لاندثرت تلك الحضارات.
أمّا أهم الفنون التي كان للعرب فيها منجزات حضاريه كبرى فهي:
في علم اللغه، وضعوا قانونها و ميزان تقويمها، ففي البدايه كان لأبي الأسود الدولي فضل في ذلك بإشاره من الإمام علي بن ابي طالب، و قد تطور هذا العلم بسرعه أيام العباسيين، و اشتهرت بهذا العلم مدرستان: مدرسه البصره، و مدرسه الكوفه، و عرفت كل منهما بنحوييها الكبار، كالخليل بن أحمد و سيبويه من مدرسه البصره، و ال**ائي من مدرسه الكوفه.
في الأدب: كان للعرب فيه جولات كبرى متقدمه. و في حقل الشعر أثّر طابع الشعر العربي علي إيطاليا تأثيراً كبيراً و نشاهد ذلك واضحاً في أشعار فرنسيس الأسيزي و دانتي و مكيافيللي.
في الجغرافيا: و لقد ساهمت الرحلات العالميه التي قام بها العلماء العرب أمثال ابن بطوطه في زياده المعلومات الجغرافيه، و صححت آراء خاطئه و شائعه. و استطاع الجغرافيون و الفلكيون أمثال ابن يونس و البيروني و ياقوت و أمثالهم أن يحددوا بدقه متناهيه الموقع الجغرافي للبلدان بالنسبه إلى خطوط العرض و الطول.
في الفلسفه: قرأ العرب لأفلاطون و أرسطو و غيرهما من مفكري اليونان، و استوعبوا أفكارهم و شرحوها و علّقوا عليها، محاولين التوفيق بينهما و بين الدين الإسلامي. و هنا كانت بدايه الفلسفه الإسلاميه، فكان المعتزله و المتكلمون و إخوان الصفاء و ابن سينا و الغزالي و ابن رشد و ابن طفيل و سواهم من المحلقين في هذا الحقل الذين كان لهم التأثير الكبير في نشوء الفكر العلمي في أوروبا.
في الحقل العلمي: توصل ابن النفيس، الدمشقي المولد، إلى اكتشاف عظيم في تاريخ الإنسانيه و في تاريخ الطب في دراسته عن بدوره الدمويه، و ذلك قبل هارفي الإنكليزي أربعمائه عام، و قبل سارفينوس الإسباني ثلاثمائه عام. و كان ابن سينا قد قدم أول صف و تشخيص كامل للأمراض المعديه، و اكتشف الطفيليات، و اكتشف الطبري الذي تأثر بالرازي (صاحب أول مفكره سريريه) «اللقاح». إلى جانب العديد من علماء العرب في الطب منهم الجراح الأندلسي أبوالقاسم الزهراوي المتوفي عام 1 013 الذي أدخل تجديدات كثيره على علم الجراحه و في مداواه الجروح، و في تفتيت الحصاه داخل المثانه، و حلقوا في طب العيون و في علم البصريات. و هم أول من استعمل خيط الشعر في العمليات الجراحيه، و معلمهم في هذا الحقل، أبوبكر الرازي، و استخدموا المخدر في العمليات الجراحيه كما أبدعوا في المعالجات النفسانيه.
و هم الذين ابتدعوا طريقه البحث العلمي القائم على التجربه، و كانوا أول مَن افتتح الصيدليات العامه في عهد الخليفه العباسي المنصور، و منذ أيام المأمون كانت الصيدليات تحت إشراف حكومي، و كان في كل مدينه عميد للصيادله يمنحهم رخصه العمل، كما كان في كل مدينه مفتش خاص يفتش تحضير الأدويه و يراقبها.
و كان للعلماء العرب اهتمام كبير بعلم النبات، و خاصه النباتات الطبيعه، و وضعت المؤلفات العديده بها، أشهرها كتب ابن سينا و داوود الأنطاكي و الإدريسي. و اهتموا بعلم الحيوان، و أشهرهم فيه الجاحظ.
و في الكيمياء: يعتبر علماء العرب الأوائل في تأسيس الكيمياء الحديثه، و هم الذي اكتشفوا الكحول و الحامض الكبريتي و البوتاس و غيرها، و أقدم علمائهم جابر بن حيان، و من أشهرهم الرازي.
و في الفيزياء: بحثوا في الضوء و المرايا، و أجروا التجارب لإيجاد العلاقه بين وزن الهواء و كثافته، و من أشهرهم هنا الحسن بن الهيثم، صاحب المؤلفات العديده في الرؤيه المستقيمه و المنع**ه و المنعطفه، و في الضوء و المرايا و البصريات، و هو مَن استخدم الغرفه المظلمه (آله التصوير) و اكتشف الفارق بين الظل و شبه الظل، و قد ترجمت مؤلفاته إلى اللاتينيه و الإيطاليه.
و في الرياضيات: أخذ العرب أشكال الأرقام من الهنود، و اعتمدوا سلسلتين منها، الأولى اُطلق عليها اسم الأرقام الهنديه، و هي المعتمده اليوم في معظم الأقطار العربيه، و الثانيه «الغباريه» و انتشرت في شمال أفريقيا و الأندلس، و أخذها عنهم الأوروبيون، و سمّيت بالأرقام العربيه.
و قد أوجد العرب طريقه الإحصاء العشري، و توسعوا في بحوث النسبه و قواعد استخرج الجذور لجميع المربعات. و ترجمت مؤلفاتهم في الرياضيات إلى اللغات الأوروبيه، و أشهرها كتاب «الحساب» للخوارزمي و كتاب «الجبر و المقابله»، و قد احتفظ باسمه العربي «الجبر»، و قد اعتمدت مؤلفاته لعده قرون. و مهدوا لاكتشاف اللوغاريتمات و استعملوا الرموز في المعادلات الرياضيه، و ألّفوا في المساحات و الأحجام و في الزوايا و تقسيمها. و أبرز علمائهم في الهندسه البيروني و ابن الهيثم، و يعتبر العرب المؤسسون الحقيقيون لعلم المثلثان (Trigonometrie).
و في علم الفلك قالوا بدوران الأرض حول محورها و بكرويه الأرض، و وضعوا تحديداً دقيقاً لخطوط الطول و العرض، و اخترعوا آله الرصد (التلسكوب) و آله المثقال لتحديد الأوقات. و قد نبغ منهم قسطا بن لوقا البعلبكي و الطوسي و أبوالوفا و البيروني، كما استعملوا البوصله و أدخلوها إلى اوروبا.
و في الفنون: برز العرب في فن العماره، (القصور الرائعه في أشبيليه و غرناطه و بغداد .. الخ). و تجنّبوا الصور و التمائيل، و تساهلوا في تصوير الجماد، و برعوا في الأشكال الهندسيه كالخط و الزخرف العربي الذائع الصيت و الفسيفساء و النقش على العاج و الحفر على الخشب و تلوين الخزف و الأقمشه و السجاد و تخريم المعدن و النحاس.
و برعوا في الغناء، حيث بلغ كماله على يد إبراهيم بن المهدي و إبراهيم الموصللي و ولديه إسحاق و حماد في عهد بني العباس في بغداد، و تعدّدت الآلات الموسيقيه و تنوّعت، و منها انتقلت إلى بلاد المغرب و إسبانيا. و إلى زرياب، الذي هاجر إلى المغرب، يعود الفضل في زياده وتر خامس على أوتار العود، و قد تسربت الموسيقى العربيه إلى جميع الأقطار الأوروبيه.
و هناك اكتشافات أخرى عديده نذكر منها ما يلي: لقد وضع العرب نظريه تركيب البارود المندفع في القرن الثاني عشر، و استعملوا البارود و القاذف كماده دافعه للصواريخ و القذائف الناريه، و أصبحوا بذلك أساتذه الأوروبيين ايضاً في هذا الحقل.
و أقيمت صناعه الورق، و أصبح الكتّان و القطن عماد صناعه الورق الأبيض الناعم، و قد نجحت في بغداد بعد أن أطلقت من سمرقند، و بعد عده قرون تسربت إلى بلاد الغرب، و خاصه عن طريق عرب صقليه و الأندلس، و قد فتح العرب عصراً جديداً بفضل صناعه الورق، فلم يعد العلم وقفاً على طبقه معينه من الناس، بل مشاعاً للجميع، و ما زال الورق حتى اليوم ناشر الثقافه بحق و بدون منازع، حتي في عصر الراديو و التلفزيون و الفن الإلكتروني، و قد أدّى استعمال الورق إلى اختراع فن الطباعه.
و امتاز العرب في اختراع ساعات الشمس، و أعطوها شكلاً دائرياً، و قد انتشرت هذه الساعه في كل أنحاء الغرب، ثم صنعوا الساعات التي تسير على الماء و على الزئبق و على الشمع المشتعل، و كذلك التي تستعمل بواسطه الأثقال المختلفه.
هذا غيضُ من فيض مما أبدعه و أنجزه العرب في حقل المعرفه و الحضاره.
في سياق بحثي وردت أسماء عديده متألقه من علماء فارس الذين أثروا الحضاره العربيه و أطلقوها في تاريخ المعرفه البشريه، لذلك علينا أن نتناول هذه الروابط بين ثقافتي الأمّتين الجارتين.
نستهلها برابطه اللغه، فاللغه العربيه استطاعت بما تتمتع به من مميزات جماليه و بلاغيه حملت رساله الإسلام من بطحاء مكه إلى أقصى أقطار العالم، و استقطبت أهواء شعوبها حيث فتحت لهم آفاقاً رحبه في مجال الفن اللغوي الساحر. و قد استقبلها الشعب الإيراني بحفاوه بالغه، و أثرى ثقافته بمعطياتها، خاصه و إنها غدت بعد ظهور الإسلام لغه الدين و الدوله. و اهتم علماء الفرس بلغه التنزيل المبارك، و أثروها من خلال تعريب الدراسات الأدبيه و اللغويه و التاريخيه و العلميه بوجه عام، لا سيما في العصر العباسي الذي شهد حركه لغويه كبرى عززت العربيه، و لم تتقهقر اللغه الفارسيه أمام اكتساح اللغه العربيه، بل جاءت سنداً و عوناً لها، تقف إلى جانبها و ترفدها بما تتوصل إليه من مستجدات علميه. و بسرعه انتشرت العربيه في أوساط المجتمع الفارسي، و غدت لغه عامه الناس و المثقفين منهم بوجه خاص. و ما أخبار المناظرات و حلقات البحث و التدريس باللغه العربيه التي يؤكدها المؤرخون إلاّ دليلاً قاطعاً على تغلغل اللغه العربيه و الثقافه العربيه في المجتمع الإيراني. و هنا نشير إلى المناظره الأدبيه التي جرت باللغه العربيه بين أبوبكر الخوارزمي و بديع الزمان الهمداني في مدينه نيسابور، و بحضور حشد من عامه الناس، مما يدلّ على أن هذه اللغه كانت سائده و مفهومه في الوسط الشعبي الإيراني. و الكل يعلم ما لمؤلفات علماء الفرس من قيمه بالغه، و قد ألّفوها باللغه العربيه، كما وضعوا علوم العربيه في صرفها و نحوها و بلاغتها و عروضها، فقد قننوا قواعدها، و نظموا قوالبها، نذكر من هولاء العلماء سيبويه و الكائي و الجرجاني و غيرهم. و اللغه العربيه موجوده في الفارسيه بكمّ كبير من مفرداتها، و بالمقابل نرى كماً كبيراً ايضاً من المفردات الفارسيه تسرّبت إلى العربيه، و شاعت في مختلف البلدان العربيه طيله عهود مختلفه، و حصل هذا التسرّب اللغوي قبل الإسلام و بعده بسبب الجوار و القوافل الفارسيه العابره صحراء العرب في طريقها إلى اليمن و الحبشه، ثم بعد الإسلام حيث شملت نواحي عديده. و تغلغلت المدنيه الفارسيه في حياه العرب أيام بني أميّه و بني العباس، فوجد العرب أنفسهم أمام ألوان من الطعام و فنون من طرق العيش و أشياء لا حصر لها من أدوات الزينه و الأثاث و غيرها. و نحن لانجد في تاريخ الأدب العربي أدبا خارجيا أثر الأدب الفارسي، كما أن تاريخ الأدب الفارسي لم يعرف في جميع عصوره مؤثراً خارجياً أكثر شمولاً و أعظم تأثيراً من اللغه العربيه و الأدب العربي.
كذلك لايُخفى مدى تأثّر واضعي قواعد اللغه الفارسيه بأسلوب تأليف الكتب الصرفيه و النحويه العربيه.
و هنا تجدر الإشاره إلى أن دستور الجمهوريه الإسلاميه الإيرانيه ينص على ضروره تعلّم اللغه العربيه في المدارس الابتدائيه، مما يبرهن ما للغه العربيه، و هي لغه التنزيل المبارك، و ما للثقافه العربيه الإسلاميه التي تغلغلت في صميم الثقافه الإيرانيه من أهميه بالغه في وجدان الأمّه الإيرانيه بوجه عام.
و لقد ساهمت الثقافه الفارسيه بتاريخها العريق و حضارتها الإنسانيه الخصبه في تشييد عماره الفكر العربي، و أمدّته بعوامل الازدهار و التألق في جميع فنون المعرفه من طب و رياضيات و فلسفه و علوم مختلفه، و لا سيما في الجانب الأدبي، و قد ظهر التجديد في الأدب العربي خلال العصر العباسي حيث نجد بن برد الفارسي يمدّه بتشبيهات جديده يستعملها العرب من قبل، و كذلك أبو هيه و غيره. هذا و قد لعبت الترجمه دوراً في تقريب الثقافتين، حيث عكف على إحياء تراثهم الحضاره و الفكري الدين الإسلامي، حيث جنّدوا كل لتعريب خيره مؤلفاتهم و وضعوها في أول العرب المسلمين الذين كانوا بأمس إلى الثقافه المتصله بشؤون الملك الإداره و تنظيم الشؤون العامه، التي لم يكن فيها تجارب و خبرات كافيه، فوجدوا في ثقافه أمّه ضاربه الجذور في السياسه و الاجتماع. و تمخض عن حركه برامج الفكري هذه ثقافه جديده تتسم بغزاره مصادرها و غنى أفكارها، حيث تحوّلت ثقافه فارس و الهند و اليونان إلى ثقافه عربيه مزوده عناصر لم تكن تعرفها من قبل.
| |
|